نقض عقيدة الصلب والفداء لدى النصارى
رفع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام إلى السماء ونفي ما اعتقده
اليهود والنصارى من قتله وصلبه ، وتقدم بيان أن النصارى أرادوا
أن يوجدوا لهم مخرجاً مناسباً من اعتقادهم بصلب المسيح فاخترعوا فرية
الفداء!! وهذه الحلقة أردت بها: نقض ما يعتقده النصارى من الصلب
والفداء بشيءٍ من الاختصار يقتضيه طبيعة هذه المقالات
ولابد من تأكيد حقيقة مهمة وهي : أن الديانة النصرانية كلها تقوم
على مسألة الصلب ، وأن الدعوة إلى النصرانية تقوم عليها ، إذ ليس
في النصرانية أي عامل جذب يمكن أن يجذب به الناس إليها ، وليس فيها
ما يمكن أن يتحدث فيه ويقدم للناس سوى هذه القضية التي يركزون
عليها تركيزاً شديداً ، وهي مسألة : الصلب والفداء، وذلك بإيحائهم
للناس أنهم هالكون مردودة عليهم أعمالهم مغضوب عليهم منذ ولادتهم
وقبل أن يولدوا ، مما يجعل الإنسان الجاهل بحقيقة الأمر يحس بثقل عظيم
على كاهله من تلك الرزية والخطيئة التي لم يكن له دور فيها، ثم إنهم
بعد أن يوقعوا الإنسان فريسة الشعور بالذنب والخطيئة ، وتأنيب
الضمير، والخوف من الهلكة ، يفتحوا له باب الرجاء بالمسيح المصلوب ،
فيزينوا له ذلك العمل العظيم الذي قام به المسيح لأجل الناس
ويدعونه إلى الإيمان به ، فإذا كان ممن لم يتنور عقله بنور الهداية
الربانية ونور الإسلام يجد أن هذه هي الفرصة العظيمة التي يتخلص بها ،
وما علم المسكين أن الأمر كله دعوى كاذبة وخطة خبيثة للإيقاع به
وبأمثاله
إن أناجيل النصارى المحرّفة قد اختلفت اختلافاً كثيراً وتباينت في ذكر
قضية الصلب المزعوم وتفاصيله ، وذلك فيما ذكر فيها مثل وقت الحكم
على المسيح والصلب وكيفيته ووقته وتلاميذ المسيح وغير ذلك ، وقد دونت
هذه الاختلافات وهي مجموعة في مباحث في الكتب المتخصصة في ذلك ، ولا تكاد
جزئية من أجزاء هذا الحدث إلا وقد اختلفت عليها الأناجيل ، خاصة
إنجيل "يوحنا" مقارنة بإنجيل "لوقا ومرقص ومتى".بل العجيب أن بعض
النصوص في كتب النصارى تنفي زعم الصلب كما في رسالة بولس إلى
العبرانيين من أن المسيح عليه السلام تقدم إلى الله بتضرعات ودموع أن
يخلصه من الموت ، وأن الله سبحانه استجاب لدعائه من أجل
تقواه. [/right]
والنصارى في شك من أمرهم ولم يكونوا على بينة ، وقد سبق ذكر
قول الله تعالى : (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين
اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه
يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً).
وأما قضية الفداء التي تم اختراعها من قِبَل النصارى لنفي
السُبّة والعار التي يترتب على زعمهم واعتقادهم بصلب المسيح ، وإن هذه
القضية مما يكفي في نقضها : أن جميع النصوص التي يذكرها النصارى في
الدلالة على أن الصلب وقع فداءً للبشر ليس فيها نص واحد يعيّن
الخطيئة التي يزعمون أن الفداء كان لأجلها ، وهي خطيئة أبينا آدم
التي انتقلت في زعم النصارى إلى أبنائه بالوراثة!!! وكون جميع النصوص
لم تحدد هذه الخطيئة فإن هذا مما يؤكد بجلاء أن قضية الفداء من مخترعات
النصارى المتأخرين.
ولتوضيح فساد اعتقاد النصارى وضلالهم في زعمهم الصلب والفداء
فإني أسوق النقاط التالية :
1/إن
آدم عليه السلام الذي يزعم النصارى أن الصلب والفداء كان لأجل
خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عز وجل: ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه
وهدى ) سورة طـه ، فما الذي يُكَفّر بصلب المسيح؟؟!!.
وقد قبل الله توبته كما أنه عوقب بإخراجه من الجنة وتأثر
أبناؤه بالعقوبة , وإن لم يكونوا مقصودين بها .
وقد أورد اليهود في كتابهم المحرف أن الله قال لآدم : ( لأنك يوم
تأكل من الشجرة موتاً تموت ) "سفر التكوين"
وقد وقع هذا لآدم بعد الأكل من الشجرة بإخراجه وزوجته من
الجنة إلى الأرض ثم موتهما فيها, فقد عوقبا بذلك , كما ينص اليهود على
إخراجهما من الجنة إلى الأرض التي فيها الكد والتعب .
فمن أين أتى النصارى بفرية خطيئة آدم , وأحيوها هذا
الإحياء وألبسوها هذا اللبوس؟؟!! .
2)إن
ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له
وهذا ذنب منه في حق الله الذي نهاه عن الأكل منها فالذنب بهذا لم يكن
يلزم لتكفيره أن ينزل الرب ليصلب على الصليب,بعد أن يهان ويذل من
أجل أن يرضي نفسه , بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب
فقط , وهذا الذي وقع كما نص على ذلك القران الكريم .
3) إن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيراً بالنسبة لما فعله
كثير من أبنائه من سب الله عز وجل والاستهزاء به وعبادة غيره جل وعلا,
والإفساد في الأرض بالقتل , ونشر الفساد والفتن , وقتل أنبيائه
ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك ... فهذا أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه
السلام .
فعلى كلام النصارى : أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى
يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم !!!!!!.
4) إن صلب المسيح ـ الذي هو الله في زعمهم تعالى الله عن قولهم ـ قد تم
بلا فائدة تذكر, وذلك لأن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض
مضاجعهم ، إنما الذي يقلق الإنسان ويخيفه : ذنوبه وجرائمه وهذه لا
تدخل في كفارة المسيح في زعمهم .
5) إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذَكَرَ خطيئة آدم وسأل الله أن
يغفرها له مما يدل على أنها من مخترعات النصارى .
6)إن
الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح ـ بناء على اعتقاد
النصارى هذا ـ كانوا يدعون إلى ضلالة وقد أخطأوا الطريق إذ لم
يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة ويوعوهم بخطورتها كما يفهمها
النصارى !!!.
7) إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر
عنهم تلك الخطيئة , لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في
زعم النصارى .
إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً , فمعنى ذلك أن الله
بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة
فيها بين الناس ونفسه !!! ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراًـ. 9) إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه ولا
يستحقون هم العقوبة عليها ,لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره بل هذا ينافي
قواعد العدل ، وقد نص الله عز وجل على هذا في القران الكريم بقوله :
( ألا تزر وازرة وزر أخرى) سورة النجم . وكذلك ورد في التوراة
المحرفة : (لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان
بخطيئته يقتل ) سفر التثنية.
10)هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟! والمسيح في زعم النصارى ابن
الله !! فهو ليس من جنس بني آدم فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ـ وهم
بشر ـ؟؟!! ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة لأنه
ليس من جنس البشر حسب كلامهم .
11) أن المسيح في زعم النصارى ابن الله !! فأين الرحمة التي جعلت الله
في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة
واللعن والموتة الشنيعة ؟!!!!
12) في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله وأن المصلوب المهان
الملعون – تعالى الله عن قولهم وتقدس – هو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه
فهل يوجد كفر أعظم من هذا وافتراء على الله أكبر من هذا؟؟!! (سيجزيهم
وصفهم إنه حكيم عليم ) سورة الأنعام.
13) هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جل جلاله وتقدست أسماؤه من
عليائه وعرشه ويسمح لأبغض أعدائه إليه وهم اليهود قتلة ألأنبياء ,
والرومان أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه؟!! ثم هو يفعل هذا لماذا ؟!!
لأجل أن يرضي نفسه؟! لأجل عبيده؟! لأجل من؟!!
هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال , بل يجب أن
يستعاذ بالله من الشيطان الرجيم عند مرور مثل هذا الخاطر والوسواس ،
ويقال : سبحانك هذا بهتان عظيم!!!
14) حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس براً وفضلاً
على النصارى خصوصاً والبشرية عموماً : اليهود والرومان والواشي
بالمسيح , لأنهم هم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى
الذي جاء من أجله المسيح "المخلّص" وهو الموت على الصليب !!!!!!.
15) إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب
والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه!!! مما جعل
اليهود يغضبون عليه , فيعلقونه على الصليب .
16) بناءً على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه , فمعنى
ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك ،
لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه , مثل من كان عليه
ديْنٌ فجاء أحد من الناس فقضى ذلك الدين عنه , فإن المطالبة تسقط
عنه بمجرد القضاء وهذا ما لا يقول به النصارى مخالفين في ذلك دليل
العقل .
17) إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع في الجسد البشري الذي حمل
الخطيئة وأن هذا الجسد مات . دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح
عندهم !!!, فلو كان تجسد لأجل الخطيئة فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد
حلول العقوبة عليه.
18) إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه , ثم ارتفع
إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية لأن
الدورالذي تجسد من أجله قد أداه وانتهى , ثم إن الجسد البشري لا حاجة
إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه!! وهذا من أوضح القضايا
لو كانوا يعقلون .
والنقاط السابقة توجه لقول المتأخرين من النصارى الذين
حددوا الخطيئة وهي بزعمهم : أكل آدم من الشجرة ، أما على كلام
المتقدمين من النصارى الذي لم يحددوا الخطيئة فإننا نقول لهم :
إن المراد من كون المسيح كفارة للخطايا أحد أمرين:
أحدهما: تكفير لخطايا الناس التي اقترفوها في الماضي , أو التي
سيقترفونها في المستقبل, وكلاهما باطل.
أما الخطايا الماضية فلا تستحق هذا الفداء الإلـهي في زعمهم ,
وقد كان يتم تكفيرها بالتوبة والقربان لدى اليهود قبلهم وكان كافياً.
أما الخطايا الماضية المستقبلية فلا يستطيع النصارى أن يزعموا
أن صلب المسيح مكفر لها لأن ذلك يعني إباحتها, وعدم ترتب العقوبة على
ذنب من الذنوب مهما عظم , وفي هذا إبطال لدعوة المسيح ودعوة
الحواريين وبولس إلى تنقية النفس من الآثام والخطايا وفتح للإباحية
والفجور والكفر!!!!! .
مع العلم أن تكفير الخطايا إذا أطلق لا يراد به سوى ما وقع
فيه الإنسان من الآثام وهي الخطايا الماضية، إذ التكفير من كفر أي :
ستر وغطى ولا يكون ذلك إلا فيما وقع وحدث.
بعد هذا كله من حق الإنسان أن يتساءل : هل النصارى على
درجة كبيرة من الذكاء والخبث الشيطاني الذي جعلهم يغلفون بغضهم لله
عز وجل وبغضهم للمسيح عليه السلام بهذه الدعاوى الكاذبة التي
يظهرونها ويصرون على التمسك بها بدون أدنى دليل عقلي أو شرعي زاعمين
أنهم يعبرون بذلك عن شدة حبهم لله عز وجل وشدة حبهم للمسيح
ايضاً؟!!!
أم أنهم على درجة شديدة من الغباء والحمق الغالي الذي جعلهم
لا يميزون بين ما هو ثناء وحب حقيقي , وبين ما هو طعن وسخرية وبغض
وأحقاد تنفث على الله عز وجل وعلى نبيه المسيح عليه السلام
؟.
وصدق الله القائل
أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً..) ونقرأ في كل ركعة في الصلاة
قوله تعالى : (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فما أعظم الضلال
الذي تقوم عليه النصرانية !!!.
وبناء على هذه العقائد فإنهم يعيشون في شكوك وأوهام يكتمها
أكثرهم ويصرح بها بعضهم ، وممن صرح بهذه الحيرة النصراني : ( ج . ر.
و.ستوت ) في كتابه "المسيحية الأصلية" حيث افتتح الكلام عن معنى
الصليب بقوله : ) ولكن لا أجسر أن أتناول الموضوع (يعني معنى الصلب )
قبل أن أعترف بصراحة بأن الكثير منه سوف يبقى سراً خفياً , ذلكم لأن
الصليب هو المحور الذي تدور حوله أحداث التاريخ ؟! ويا للعجب كيف
أن عقولنا الضعيفة لا تدركه تماماً ولا بد أن يأتي اليوم الذي فيه
ينقشع الحجاب وتحل كل الألغاز, ونرى المسيح كما هو ...)
ثم يقول في آخر الكلام بعد فلسفة مطولة : ( ومن المدهش أن هذه
القصة الخاصة بيسوع ابن الله الذي حمل الخطايا ليست محبوبة في عصرنا
الحاضر, ويقال عن حمله خطايانا ورفعه قصاصها عنا إنه عمل غير عادل
وغير أدبي وغير لائق ويمكن تحويله إلى سخرية وهزء ...)
ثم قال : ( وفوق الكل يجب أن لا ننسى ( أن الكل من الله )
نتيجة رحمته ونعمه المتفاضلة ، فلم يفرض على المسيح قصاصاً لم يكن هو
نفسه مستعداً له فإن الله ( كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه) فكيف
يمكن أن يكون الله في المسيح بينما جعل المسيح خطيّة لأجلنا ؟.هذا ما لا
أستطيع أن أجيب عنه. ولكن الرسول عينه (ويقصد بالرسول بولس الذي
كان له الدور الأكبر في تحريف الديانة النصرانية)يضع هاتين الحقيقتين
جنباً إلى جنب, وأنا أقبل الفكرة تماماً كما قبلت أن يسوع الناصري هو
إنسان وإله في شخص واحد .وإن كانت تبدو ظاهرياً على شيء من التناقض
, لكني أراه في عمله كما أراه في شخصه , وإن كنا لا نستطيع أن نحل هذا
التناقض أو نفك رموزهذا السر فينبغي أن نقبل الحق كما أعلنه المسيح
وتلاميذه بأنه احتمل خطايانا بمعنى أنه احتمل قصاص الخطيّة عنا
كماتُعَلِّمنا الكتب )أ.هـ
وإننا لنعجب غاية العجب من هذا الاعتراف بعدم معقولية هذه
العقيدة ثم الإصرار عليها , فهذا غاية الضلال والانحراف , وكان الأولى
بهم إذ لم يعقلوا هذه المسائل أن يبحثوا في مصادرها حتى يظهر لهم الحق ,
فإن تلك المصادر أساس الانحراف والضلال الذي يوجد لدى النصارى سواء في
ذلك : الأناجيل أو الرسائل الملحقة بها .
ويقول عبد الأحد داوود ـ وقد كان كاتباً نصرانياً ثم أسلم ـ :
(إن من العجيب أن يعتقد النصارى أن هذا السر اللاهوتي وهو خطيئة
آدم وغضب الله على الجنس البشري بسببها ظل مكتوماً عن كل الأنبياء
السابقين ، ولم تكتشفه إلا الكنيسة بعد حادثة الصلب).
= ومادة هذا المقال مختصرة من كتاب اليهودية والنصرانية للشيخ
الدكتور سعود الخلف حفظه الله =
ونواصل ـ بإذن الله ـ في الحلقة القادمة وهي الأخيرة وستكون في نقض عقيدة التثليث .
هذا من كتاب الدكتور عارف عوض الركابي